روائع مختارة | قطوف إيمانية | أخلاق وآداب | أساسيات لبناء شخصية المرأة المسلمة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > أخلاق وآداب > أساسيات لبناء شخصية المرأة المسلمة


  أساسيات لبناء شخصية المرأة المسلمة
     عدد مرات المشاهدة: 11521        عدد مرات الإرسال: 0

إن المرأة بمنطق الإحصاء والتعداد نصف المجتمع، ولكنها بحكم تأثيرها في زوجها وأولادها ومحيطها أكثر من النصف، ولهذا قال شاعر النيل حافظ إبراهيم:

من لي بتربية النساء فإنها *** في الشرق علة ذلك الإخفاق

الأم مدرسة إذا أعددتها *** أعددت شعبا طيب الأعراق

فالمرأة أكثر من نصف المجتمع وتشكل إحدى قواه الفاعلة وتقوم بدور مهم في صياغة حركته، ولهذا لا سبيل إلى إصلاح المجتمع إلا بإصلاح المرأة أولا.

ولذلك سأبين في هذه الدراسة بعض الأسس التي تُسهم في بناء شخصية المرأة المسلمة وإعادة صياغة شخصيتها عمليا وفكريا، وتوجيهها وفق تربية إيمانية متكاملة منبثقة من القرآن الكريم، لكي تسهم بدورها في إصلاح المجتمع وإخراج الأمة من مرحلة القصعة والغثائية، ولن يتأتى لها ذلك إلا بإعادة بناء شخصيتها وفق التصور الإسلامي ومنهجه الرباني من خلال التركيز على الأسس التالية:

¤ ترسيخ فعل الإيمان في النفس:

إن تنمية العلاقة بين المرأة وخالقها وترسيخ الإيمان به في نفسها له أثر بالغ على تشكيل شخصية مطمئنة لا تقع فريسة لأي صراعات نفسية، وتواجه كل ما يعترضها من صعوبات وتحديات، لأن الإيمان مصدر كل سلوك سوي ينبع من النفس الإنسانية.

في فقه الأولويات د.يوسف القرضاوي -وبه يمكن تغيير الإنسان من داخله، وإصلاحه من باطنه، فالإنسان لا يقاد كما تقاد الأنعام، ولا يصنع كما تصنع الآلات من حديد أو نحاس أو معدن، إنما يحرك من عقله وقلبه، يُقنعُ فيقتنع، ويُهدَى فيهتدي، ويُرغب ويُرهب فيَرغب ويَرهب، والإيمان هو الذي يحرك الإنسان ويوجهه ويولد فيه طاقات هائلة لم تكن لتظهر بدونه، بل هو ينشئه خلقا جديدا بروح جديدة، وعقل جديد وعزم جديد وفلسفة جديدة...إنتهي.

والإيمان كذلك لا يعترف بالمراحل والأعمار التي وضعها علماء النفس والتربية وإشترطوها لنجاح المجهود التربوي.

إنهم يقررون أن هناك سِنًّا معينة هي سن القبول لتكوين العادات، وإكتساب الصفات وتهذيب الطباع والأخلاق، تلك هي سن الطفولة، فإذا كبر المرء أو المرأة على صفات خاصة فهيهات أن يحدث فيها تغيير يذكر، فمن شب على شيء شاب عليه، ومن شاب على شيء مات عليه.

ولكن الإيمان هو الشيء الوحيد الذي تخطى قواعد التربويين والنفسيين، فالإيمان هو العنصر الوحيد الذي يغير النفوس تغييرا تاما وينشئها خلقا جديدا، ولا يقف في سبيل ذلك فتوة الشباب ولا كهولة الكهول، ولا هرم الشيوخ -الإيمان والحياة د.يوسف القرضاوي.

ولنأخذ على هذا أمثلة حية لأشخاص عاشوا في عهدين: عهد الكفر وعهد الإيمان لنرى الفارق.

وحسبنا مثلا على هذا التحول الخطير رجل وامرأة عرف أمرهما في الجاهلية، وعرف أمرهما في الإسلام، الرجل هو عمر الذي رووا أنه بلغ في جاهليته من إنحراف العقل أن عبَد إلهًا من الحلوى ثم جاع يوما فأكله، ومن إنحراف العاطفة أن وأد ابنة له صغيرة كانت تمسح الغبار عن لحيته وهو يحفر لها مكانها في التراب.. عمر هذا ينتقل من الجاهلية إلى الإسلام، فيتحرر عقله حتى يقطع شجرة الرضوان خشية أن يطول الزمن بالناس فيقدسوها، ويقف أمام الحجر الأسود فيقول: أيها الحجر إني أقبلك وأنا أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك.

وعمر هذا يبلغ من سمو عاطفته ورقة قلبه وخشيته لله ما ملأ صفحات التاريخ بآيات الرحمة الشاملة للمسلم وغير المسلم، بل للإنسان والحيوان حتى قال: لو عثرت بغلة بشط الفرات لرأيتني مسؤولا عنها أمام الله، لمَ لمْ أسو لها الطريق؟.. هذا هو الرجل.

أما المرأة فهي الخنساء، المرأة التي فقدت في جاهليتها أخاها لأبيها صخرًا فملأت الآفاق عليه بكاءً وعويلًا، وشعرًا حزينًا، ترك الزمان لنا منه ديوانًا كان الأول من نوعه في شعر المراثي والدموع.

وغير ذلك مما قالته في رثاء أخيها صخر، كان هذا في جاهليتها فلما أسلمت كان لها شأن آخر، وكانت امرأة أخرى، فقد شهدت معركة القادسية ومعها بنوها الأربعة فقدمتهم إلى الميدان -أي إلى الموت- راضية مطمئنة، بل دافعة محرضة على القتال والثبات في أول الليل قبيل المعركة، فلما أصبحوا باشروا القتال بقلوب لا تلين وإنقضوا كالصاعقة على أعداء الله حتى إستشهدوا واحدا بعد واحد جميعهم، فلما بلغها خبرهم لم تلطم خدا ولم تشق جيبا ولكنها إستقبلت النبأ بإيمان الصابرين وصبر المؤمنين وقالت: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته.

= ما الذي غير عمر القديم وصنع عمر الجديد؟

= وما الذي غير خنساء النواح والبكاء إلى خنساء التضحية والفداء؟

إنه صانع المعجزات.. إنه الإيمان، إنه المفتاح الفذ لأقفال الحياة الكثيرة -الإيمان والحياة.

►◄ صفوة القول:

إن تفعيل الإيمان في حياة المرأة قضية أساسية تخرج الدين من كونه مسألة شخصية إلى إعتباره منهجا متكاملا يتغلغل في نسيج الممارسات الإنسانية المتعددة.

ومن أهم الوسائل لترسيخ الإيمان في النفس تنمية الخلق الحسن فيها، وذلك من خلال التمكن من مدلولات الأخلاق وآثارها في النفس والمجتمع، مباشرة الأعمال الصالحة المساعدة على تنمية الأخلاق وتقويمها، مجاهدة النفس وتدريبها على الخلق الحسن، القدوة الحسنة، فهذه كلها وسائل مساعدة لبلوغ الإيمان أغوار النفس والوجدان وإدراك اليقين، ولإستعادة إنسانية المرأة وإستجابتها لعوامل الإحياء، يقول تعالى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال:24] -مقال: من أسس بناء شخصية المرأة المسلمة، د.أم سلمى.

¤ التحصن بالعلم والمعرفة:

التحصن بالعلم والمعرفة والتكوين الإسلامي هو الذي يضع لها الأرضية الصلبة التي تستقر عليها شخصيتها على مستوى فكرها وسلوكها وتوجهاتها، ومن شأن التكوين الديني أيضا أن يكسبها قدرا من التدين تتحصن به وتتميز به في انخراطها الإجتماعي العام وبدونه تكون كالريشة في مهب الريح.

¤ التشبع بالقيم الإسلامية:

هذا الأساس مرتبط بالذي قبله، بل هو ثمرته فلا يستقر في النفس شيء من فقه الإسلام وفهم مضامينه وأحكامه العامة ما لم ينبثق منه قدر ضروري من مكارم الإسلام وفضائله وقيمه.

إن المرأة الغربية، بل الإنسان الغربي عامة قد بلغ في الرقي الحضاري منزلة لا تضاهى ولكننا نراه -مع ذلك- قد يشقى بها وينتكس بسببها، وإنما ذلك لأنها حضارة مادية محضة لا تنسجم مع كل مقومات الحقيقة الآدمية الإنسانية، والغرب بحضارته ورقيه وتمدنه وبلوغه في ذلك الشأن الكبير والمرتقى السامق لا يستطيع أن يخفي أزمته الخانقة التي يعاني منها ويعيشها يوميا كأزمة القيم وأزمة الفراغ الروحي، والخواء القلبي والنفسي.

¤ استرداد إنسانية المرأة:

تشير الباحثة والشاعرة المغربية سعاد الناصر -أم سلمى- إلى أنه رغم كثرة الدعوات المستمرة لتحرير المرأة في عصرنا الحديث، ومحاولة إخراجها من تخلفها ومعاناتها، وما حققته من نجاح في مختلف المجالات، فإن واقع المرأة يكشف عن وضعية ماسخة لها وعن عدم إمتلاك ذاتها وإنغماسها في عبوديات مختلفة من أبرز مظاهرها: اهتماماتها الهامشية التي لا ترقى إلى مستوى إنسانيتها ورسالتها في الحياة، ومن أبرز مظاهرها أيضا عبوديتها لجسدها بالانكباب على تزيينه وتقديمه في سوق العرض والطلب بشكل مهين للمرأة المعتزة بأنوثتها والمدركة لآفاق تحررها.

ونستطيع أن نقول: إنه كلما فهمت المرأة مدى عبوديتها لله وسما مفهوم التوحيد في نفسها، كلما حققت في هذه النفس مفهومها التحرري الصحيح الذي جاءت به الرسالة المحمدية الخاتمة، إذ نجد الإسلام برسالته السامية ينبذ كل أشكال العبوديات، ويعتبر المرأة إنسانا أولًا قبل أن يعتبرها امرأة أو أنثى لها جميع حقوق الإنسان، اللهم إلا في بعض الخصوصيات الدقيقة الخاصة بالمرأة، فالمرأة إنسان في المجتمع وامرأة فقط في بيتها ومع زوجها، بالإضافة إلى هذا فقد كرمها الإسلام واعتنى بها وبتربيتها منذ الطفولة، ففي الحديث «من كن له ثلاث بنات، فصبر على لأوائهن، وضرائهن، وسرائهن، أدخله الله الجنة برحمته إياهن. فقال رجل: واثنتان يا رسول الله؟ قال: واثنتان. قال رجل: يا رسول الله وواحدة؟ قال: وواحدة».

وكرمها وهي زوجة «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» الترمذي.

وكرمها أمًّا حينما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحسن صحبتها لمن جاء يسأله: من أحق الناس بصحبتي؟ فقال: «أمك» (ثلاث مرات) ثم ذكر الأب مرة واحدة.

¤ تقدير المسؤولية حق قدرها:

الدعوة إلى إشعار المرأة بخطورة رسالتها ودورها وإستشعار مسؤوليتها تجاه نفسها ومجتمعها وأمتها وإتجاه الإنسانية جمعاء، ودعوتها إلى الكف عن تمييع مهمتها وحصرها في إهتمامات هامشية تافهة.

وأول مجال ينبغي الوقوف عنده والتأكيد على خطورته وأهميته في بناء شخصية الأمة بأكملها مجال الأمومة، لأن الأم هي المنشئة الحقيقية للأجيال، والأب يشارك فيما بعد وقد يتولى الأمر وحده -أو بصفة رئيسية- بعد ذلك، ولكن الإنطباعات الأولى في نفس الطفل، الإنطباعات التي تندس في حسه وهو وليد وتكون شخصيته فيما بعد يأخذها من أمه أكثر بحكم التصاقه بها التصاقا حسيًّا ومعنويًّا حتى يملك على الأقل أن يسير ويوسع دائرة المجتمع الذي يعيش فيه.

الكاتب: سعيدة عبدالخالق.

المصدر: المنتدي الإسلامي العالمي للإسرة والمرأة.